المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اختلاج المشاعر في لحظات الوداع


كحيلان الفخر
07-14-2014, 12:46 AM
مقاربات بين الشعبي والفصيح

اختلاج المشاعر في لحظات الوداع

عبدالله الجعيثن
العرب أكثر أمم الأرض شعراً في وداع الحبيب والقريب.
ربما يعود ذلك إلى أن العرب أصحاب عواطف جياشة، وأنفسٍ حساسة، وربما يعود لما عانوه في الزمن القديم من كثرة رحيل الأحباب، بوداع وبغير وداع، فأجدادنا أعراب الصحراء كانوا لا يستقرون في المكان استقراراً طويلاً، فهم كلما أجدب مرعى انتجعوا لآخر، وهم في شدة القيظ ينتقلون من الصحراء ويقيمون على أطراف القرى، فإن القرى - على فقرها في تلك السنين - أرحم من حرارة الصحراء، وأوفر متاعاً وماء، وهم بهذا يجمعون بين عشقهم الأصيل للصحراء، واضطرارهم لتدبير معيشته، في أطراف القرى يبنون بيوت الشعر، ويبيتون فيها ليلاً وفي النهار يدخلون القرية فيبيعون متاعهم من سمن وإقط ونحو ذلك، ويشترون التمر والبر وبعض الخضروات والفواكة القليلة المرطبة لحرارة الجو، كالبطيخ والقثاء، ثم لا يكاد يظهر نجم سهيل، المبشر بنهاية الحرّ اللاهب، حتى يرحلوا للصحراء من جديد، فيما يسمى (مقطان البدو ومشتاهم).
الشاهد هنا أن كثرة تنقل الأعراب قديماً كانت مسارح لمشاهد حب لا نتنهي إلا بفراق ووداع، فلا يكاد الفتى يحب فتاة وينوي الزواج بها حتى يفجع برحيلها مع أهلها، وأقصى ما يستطيع أن يلقي عليها نظرة وداع أخيرة، ربما تكون للأبد، لأن الراحلين ليس لهم مكان محدد، ولا عنوان فضلاً عن وجود هاتف أو جوال أو حتى إمكانية الرسائل.. كل ما هناك زيارة حزينة لأماكنهم التي غادروها، يرى فيها بقايا آثارهم، ويشهد مسرح حبه وقد أقفر، لهذا كثر شعر الأطلال.



هلّ دمعي على خدي نهار الوداع يوم قالوا بمان اله جاني بلاي




صدّني عن حلاوة التشييع اجتنابي مرارة التوديع



والوداع مرٌّ في كل الأحوال، وداع الأولاد المبتعثين، وداع الأحباب المهاجرين، وكذلك الزوجة والصغار حين يضطر ربُّ العائلة للسفر من قريته الفقيرة إلى العراق أو الهند أو الشام بحثاً عن الرزق، حين كانت بلادنا فقيرة شحيحة الموارد كثيرة المخاوف قبل أن يقوم بطل العروبة والإسلام الملك عبدالعزيز ورجاله المخلصون بتوحيدها على كلمة الاخلاص، وبسط الأمن والاستقرار فيها من أقصاها إلى أقصاها، واستخراج ما في أرضها من خيرات، حتى عم الأمن والرخاء وانعكست الآية فصارت بلادنا الطاردة لأهليها طلباً للزرق، تجلب ملايين الباحثين عن الرزق من كل جنسية ولون، آمنين مطمئنين.
ومشاعر الوداع تختلط فيها المشاعر وتضطرب، بين الحزن والأسى والألم وهي مشاعر تجعل البعض يحجم عن الوداع خشية الانهيار، وبين الأمل في إلقاء نظرة أخيرة على الحبيب المفارق ومحاولة البقاء معه أطول وقت ممكن.

يقول البحتري:
لا تعذلني في مسير
ك يوم سرت ولم ألاقك
إني خشيت مواقفاً
للبين تسفح غرب ماقك
وعلمت أن لقاءنا
سبب اشتياقي واشتياقك
فتركت ذاك تعمداً
وخرجت أهرب من فراقك
ويقول شاعرنا المبدع أحمد الناصر الشايع:
هل دمعي على خدي نهار الوداع
يوم قالوا بامان الله جاني بلاي
التفت والتحظني بالعيون الوساع
وارسل الدمعة للي زاد منها عناي
خايفٍ من فراقٍ ما وراه اجتماع
يا الله اليوم لا تقطع رجاه ورجاي
صرت مثل الغرير اللي بسن الرضاع
اتظيم واصبح صياح من غير راي
راحت اقدام رِجلي في محلي ذراع
مقدر المشي قدامي ولا ارجع وراي
المصيبة أن كان الحب والعرف ضاع
ثم زادت جروحي من خلاي بخلاي
مبغي السر من بيني وبينه يذاع
يضرب الوصف دايم في غلاه وغلاي
الهوى له يذل القلب لو هو شجاع
مثل ما ردني ترف القدم عن هواي
جعل من لاع قلبي في فراقك يلاع
حيث وصلك هوى قلبي وغاية مناي
أتصبّر ولا وُدّي يطول النزاع
واكظم الغيظ باسبابك وهذا جزاي

فكما البحتري يصوّر شاعرنا الشهير اختلاج المشاعر في لحظات والوداع، بل إنّ شاعرنا الشعبي المبدع - أحمد الناصر - أقوى تصويراً وتجسيداً لتلك اللحظات المؤلمة القاسية، وأكثر تفصيلاً لاختلاط الأفكار واختلاج المشاعر في أوقات الوداع، البحتري اكتفى بالهرب من مواجهة لحظة الوداع لما فيها من آلام وما قد تكشف من حب مكتوم، لكن شاعرنا الكبير وما اصابه من آلام واضطراب، فقد دمعت عيناه حين قالوا في أمان الله، ثم جاءه وجد عميق حين التفتت تلقي عليه نظرة أخيرة وفي عينيها الجميلتين دموع، حتى أحس الشاعر - وقد حصل الوداع الذي قد يكون الفراق الأخير - إنه فقد رشده وعاد كالطفل الصغير الذي تخنقه العبرات لاحساسه بالضيم والظلم، فضاع رأيه واضطربت قدماه فلم يدري أهو يسير إلى الخلف أو الأمام، لحظة وداع الحبيب الغالي تذهل العقل، وتذهب الاتزان، وتختلج المشاعر كما تختلج أعضاء المذبوح.

ضامي بطولة
07-14-2014, 02:07 AM
الله يعطيك العافيه على الطرح اختى
ولاهنتي .. مقاله متنوعه تحكي عن امر يخالج كل نفس
تحيتي وتقديري
ضامي بطوله

دانة
07-14-2014, 02:11 AM
احسنتى غاليتى
دوم مميزة..

طبعي الوفاء
07-14-2014, 10:07 PM
يعطيك العافيه ع الطرح
لاهنتي

العذذب
07-14-2014, 10:09 PM
يعطيك العافية

نصراوي العصر
07-15-2014, 04:38 PM
شكرا لك روحي على النقل الجميل وصح الله لسان الشاعر ولاهنت..

كحيلان الفخر
07-18-2014, 02:44 AM
شكرا لكم جميعا منورين وارق تقييم
جزاكم الله خيرا